ما هي الدوافع والأسباب التي جعلت من البريطانيين يجنحون صوب الخروج من الاتحاد الأوروبي رغم ما قد يعانون منه من أزمات في الفترة القادمة؟ لعل اوضاع أوروبا الاقتصادية وأزمات بعض دول الاتحاد تعد أحد العوامل التي دفعت بالبريطانيين لأن يصوتوا بنعم لاستفتاء الخروج من الاتحاد.
لكننا نجد ان عوامل أخرى أكثر أهمية كانت حاضرة لدى المطالبين بالخروج في مقدمتها تحصين بريطانيا من موجات الهجرة غير الشرعية التي اجتاحت أوروبا في الأشهر الأخيرة والتي جعلت من بعض دولها نقاطا ساخنة عبر مواجهات مع الإرهابيين.
وبالتالي نجد أن المواطن البريطاني وضع نصب عينيه هذه النقطة في عملية التصويت خاصة وان قوانين الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة في حرية التنقل والسفر بين رعايا دول الاتحاد وهو الأمر الذي نظر اليه الإنكليز بريبة وشك في ظل تنامي الإرهاب في عدة دول أوروبية، ومن هنا نجد أن بريطانيا بتصويتها هذا نأت بنفسها عن الالتزام بقوانين الهجرة الأوروبية أولا، وثانيا انها لن تسمح بالدخول لأراضيها إلا وفق قوانينها وشروطها.
ووجدنا إن حملة إقناع البريطانيين للتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي كانت تركز على هذه الجوانب أكثر من أية نقطة أخرى، فضلا عن الجانب الاقتصادي، ونجحوا في كسب الرهان عبر 52 بالمئة تقريبا من الأصوات التي قررت حذف نجمة من علم الاتحاد الأوروبي، وهذه النجمة كبيرة جدا وستؤدي لتغيرات كبيرة أبرزها تشجيع دول أخرى للخروج من هذا الاتحاد وأبرزها هولندا وفرنسا خاصة وإن هنالك دعوات صريحة قبل هذا التصويت البريطاني تطلقها قوى معارضة لخروج أمستردام وباريس من الاتحاد، ولا شك ان نتائج التصويت البريطاني ستكون لها تأثيرات كبيرة على صناعة رأي عام داخل هذين البلدين وغيرهما في المستقبل.
ومع هذا فإن هنالك نتائج ربما تكون غير جيدة للخروج البريطاني هذا أبرزها زيادة تكلفة رحلات البريطانيين للخارج وأيضا يتوقع أن يكون هنالك ركود اقتصادي يتطلب تغيير الكثير من القوانين الاقتصادية أبرزها قوانين التجارة التي تتطلب الآن وبعد هذا التصويت أن تكون هنالك قوانين جديدة بديلة عنها، وهي امور قد تؤدي في نهايتها لزيادة الأسعار، وكذلك تعديل قوانين الهجرة.
بالتأكيد إن البريطانيين يدركون ذلك وهم الذين درسوا الموضوع من جميع الجوانب لدرجة إن الكثير منهم أعتبر يوم 23 حزيران هو يوم الاستقلال البريطاني عن أوروبا. إنهم يشعرون ان هذا الاتحاد قيدهم وجعلهم مسلوبي الإرادة وهو شعور موجود أيضا في دول أخرى أبرزها هولندا وفرنسا كما قلنا.
وبالتالي وجدنا ان الشعب البريطاني تعامل بواقعية مع التصويت وإن كانت له تداعيات محلية لفترة معينة ولندن قادرة على تجاوزها، إلا ان ذلك كما قلنا سيحرر بريطانيا من قيود الارتباط بأوروبا إقتصاديا وتجاريا من جهة، ومن جهة ثانية سيؤدي هذا التصويت في المستقبل الى تفكيك هذا الاتحاد تدريجيا في ظل وجود رغبات لشعوب أخرى للخروج منه.