لدى فنزويلا أكبر معدل للتضخم المالي، وثاني أعلى معدل لجرائم القتل في العالم، فضلاً عن ندرة السلع الأساسية والدواء خلال الحرب. لكن لم يكن هنالك حرب في فنزويلا أو كارثة طبيعية. لذلك ما الذي أدى لأزمة كتلك؟
إنها قصة معقدة من التجاوز والكراهية وجنون العظمة.
لقد كتب كل من مويسيس نعيم، وفرانسيسكو تورو، وببراعة، عن كيفية انقسام البلاد خلال 17 عاماً، في ظل حكم هوغو تشافيز، وخليفته الذي اختاره نيكولاس مادورو.
بيد أن الصور تسهم في إخبار القصة، عبر الطوابير الطويلة للمواطنين الأذلاء، بأرقام طبعها الجنود على أذرعهم، محاولين شراء طعام مدعوم، يزيد سعره بمعدل عشرة إلى عشرين مرة على سعره الحقيقي في السوق السوداء.لتعمل الأعداد المتزايدة للأشخاص غير القادرين على شراء الطعام، على اللجوء ونبش سلة المهملات، والشجار مع عناصر الشرطة، وسرقة محال البقالة.
يجري في تلك الرقعة الجميلة من منطقة البحر الكاريبي تقنين الكهرباء، وبالتالي يعمل موظفو الحكومة ليومين في الأسبوع فقط.
وقد أصبحت المياه ملوثة بشدة، فضلاً عن ترك الناس للوظائف القليلة المتوافرة، بحثاً عن الطعام أو للعمل في السوق السوداء.
كما تم إغلاق آلاف الشركات، وهُجرت المدارس، لأنه يتوجب على المعلمين، كذلك، البحث عن السلع الأساسية للعيش. وعادة ما يتم استخدام الأطفال من قبل عائلاتهم لحجز أماكن في الطوابير الطويلة.
تظل صعوبات إنتاج أو استيراد الغذاء أموراً غير قابلة للتغيير. وبالتالي تشتد ندرة المنتجات بشكل أسبوعي، على غرار التضخم. فما إن يتمكن المرء من جمع المال لشراء كيلوغرام من الدجاج، على سبيل المثال، وهو ما قد يعادل دخل شهر كامل بالنظر للحد الأدنى للأجور، يكون السعر قد ازداد، إلى حد كبير، بين ليلة وضحاها.
تكمن استراتيجية الحكومة، بقدر ما يمكن للمرء الاستنتاج من ردود أفعالها، في المقاومة، وانتظار ارتفاع سعر النفط بشكل أكبر، أو الحصول على قرض مالي جديد، وكبير، من الصين.
لقد فاز ائتلاف معارض في الانتخابات البرلمانية خلال شهر ديسمبر الماضي، إلا أنه ليس بمقدوره تفعيل أي من القوانين الجديدة. وأعلنت المحكمة العليا التي يسيطر عليها الرئيس الفنزويلي، عدم دستورية، كل شيء، تنادي الجمعية الوطنية بدستوريته. ومعزولةً كسلطة ليس لها أي نفوذ، بعيداً عن شعبيتها، تبحث المعارضة في إيجاد طرق لإبطال هيمنة أنصار تشافيز على مؤسسات فنزويلا.
يطالب قسم من المعارضة التي يقودها المحافظ الشعبي إنريكه كابريليس، بإجراء استفتاء ضد نيكولاس مادورو. وبحسب الدستور، ففي حال تمت إقالة مادورو من منصبه في عام 2016، يجب أن يعقب ذلك انتخابات عامة، تمكن كابريليس من الترشح لولاية رئاسية ثالثة.
وفي حال إجراء الاستفتاء عام 2017، وخسارة مادورو، سيصبح نائبه رئيساً للبلاد حتى عام 2019، وبالتالي يمكن للتشافيزية البقاء في السلطة. إلا أن الاستفتاء لإقالة مادورو خلال العام المقبل هو السيناريو المفضل للتشافيزيين الذين هم ضد مادورو، وكذلك بالنسبة إلى أولئك الموجودين في المعارضة ممن لا يريدون كابريليس رئيساً.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن أمل الملايين بإجراء الاستفتاء. إذ إن الناس بحاجة للتغيير، وهم بحاجة إليه اليوم. إلا أن الرئيس نيكولاس مادورو يواصل الضغط على المجلس الانتخابي الذي يتجاهل قواعده الخاصة بمقاطعة الجهود المبذولة تجاه الاستفتاء. وفي الوقت الراهن، تستجدي المعارضة الدول المجاورة للحصول على المساعدة.
يشير اتفاق الآراء الحاصل بين العديد من الفنزويليين في هذه الأيام، إلى أن أمراً كبيراً سيحدث وسيكون سيئاً.
لا تأتي مخاوف الناس دون معنى، ولا يمكن لأي من الجهات السياسية الفاعلة السيطرة على نتائج تلك الأزمة، ولا حتى مادورو ذاته الذي يتم احتقاره بين بعض فصائل أنصار شافيز، والتي لا يمكنها كبح جماحه.
كما لا وجود هناك لمن يقوم بمهمة الحكم، فقد فقدت المؤسسات العامة استقلاليتها منذ سنوات، وسيصب العنف الذي لا يمكن السيطرة عليه في مصلحة الأقوى، وذلك في دولة تحولت لملاذ للجريمة.