يتساءل العامة من الناس عن الدوافع التي تقف وراء مساهمة بعض الدول المشاركة في مؤتمر المانحين الذي انعقد مؤخرا في الولايات المتحدة وهل ان هذا القدر من التعاطف مع العراق مرده الدافع الانساني لتأمين عودة النازحين واعادة اعمار المناطق المحررة؟ أم هنالك ثمة منافع ومصالح دولية للمشاركين؟ وفي هذا الاطار يرى البعض في طبيعة التشكيلات الدولية والائتلافات الاقتصادية في النظام العالمي الجديد مبررا لتقديم المساعدات والدعم بهدف المحافظة على السلم والامن العالميين فضل عن أهمية الدعم لبلد يحارب الارهاب نيابة عن العالم ويتمتع بهذا الموقع الستراتيجي والاهمية الاقتصادية على خارطة السياسة العالمية، بيد ان اللافت في الأمر هو تقديم قروض مشروطة وبمبالغ محددة مسبقا من قبل بعض تلك الدول التي حددت وجهة هذه القروض وأهدافها وكأنها ازاء طلب من الجانب العراقي للحصول عليها، اذ أعلنت كندا مثلا وهي تقدم منحة مالية بنحو 158 مليون دولار كندي عن تقديم قرض للعراق بقيمة 200 مليون دولار، يمنح من خلال البنك الدولي ولهدف محدد أطلقت عليه توصيف مفاده «مساعدة العراق في تحقيق اصلاحاته الاقتصادية» وهنا يقف المراقب متسائلا عن طبيعة النفقات التي يمكن أن يحتاجها العراق وهو يقدم على ما يسمى بالاصلاح الاقتصادي.
اذ ان خطوات الاصلاح الاقتصادي بحسب البرنامج الحكومي أو بحسب اشتراطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ترتكز كليا على عملية الانتقال بالاقتصاد نحو اقتصاد سوق رأسمالي عبر برنامج لخصخصة القطاع العام وفتح الطريق أمام القطاع الخاص وايقاف التعيينات في المؤسسات الحكومية، واختزال فروعها ورفع الدعم عن الخدمات وفي مقدمتها خدمات الطاقة والخدمات الصحية والتربوية ورفع الدعم عن البطاقة التموينية، وجميع هذه الخطوات تفضي وبالضرورة الى ضغط النفقات. والفقرة الوحيدة التي يمكن أن تنفق فيها الأموال من بين هذه الخطوات التي تسمى اصلاحية هي فقرة دعم برنامج شبكة الرعاية الاجتماعية التي جاءت وعلى ما يبدو لحفظ ماء الوجه وتجميل الاشتراطات. وبناء عليه فان مثل هكذا قرض يمنح وفق دفعات تحت مراقبة البنك الدولي لن يكون الا وسيلة لمراقبة خطوات الانتقال بالاقتصاد نحو اقتصاد السوق تحت سقف زمني محدد بهدف ضمان التزام الحكومة بما تريده الجهات المانحة.
وفي ذات السياق، أعلنت المانيا عن منح 176 مليون دولار لدعم الاستقرار واعادة الاعمار للمناطق المحررة ومساعدة النازحين فيما تقدمت بقرض قيمته نحو 500 مليون يورو محدد الأهداف مسبقا، وهكذا بالنسبة لليابان التي ستساهم أيضا في تقديم مساعدات للوضع الانساني وتقديم قرض جديد يضاف للقرض الياباني القديم الذي حدد أهدافه مسبقا الجانب الياباني. وكانت الولايات المتحدة قد وافقت على منح العراق قرضا بنحو 2.7 مليار دولار قبل أيام من انعقاد المؤتمر لتمويل عمليات شراء وصيانة الأسلحة والمعدات من الجانب الأميركي حصرا، وهذه القروض وسواها أطلقت بعد أن استدان العراق من البنك الدولي نحو ستة مليارات دولار مشروطة بحزمة ما يسمى بالاصلاحات التي تتقدمها الخصخصة وتقليص العاملين في القطاع العام ونقل الاقتصاد العراقي كليا نحو اقتصاد سوق رأسمالي يدور في فلك المنظومة الاقتصادية العالمية التي تديرها الشركات العابرة للقارات عبر المؤسسات المالية العملاقة ممثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي أطلق مؤخرا قرض بنحو 5.6 مليارات دولار للعراق تمهيدات لاستكمال سلسلة قروض تقدر قيمتها نحو 15 مليار دولار.
وعلى وفق هذا الاختصار في عرض بعض من القروض المقدمة للعراق، وعلى وفق اللغط الذي أثير حول مؤتمر المانحين الذي نقل جانب من جلساته عبر شاشات التلفزيون نستطيع القول ان مؤتمر المانحين بعث بأكثر من رسالة للداخل العراقي وللعالم، فهو من جانب يشير الى الدعم المتواصل للحكومة الحالية وهي تواجه الارهاب، ويؤكد رغبة القائمين على المؤتمر في مساعدة العراق على تجاوز مرحلة الحرب مع «داعش» واعادة اعمار ما خربته الحرب بهدف عودة العراق الى وضعه الطبيعي وتأكيد انخراطه مع منظومة العمل الدولية في اطار شرق أوسط جديد. ومن جانب آخر فان القائمين على المؤتمر بعثوا برسائل مفادها انهم معنيون بشأن العراق، وان وعدهم بنهاية «داعش» في العراق مع نهاية العام 2016 لم يكن للاستهلاك الاعلامي، اذ بدأت بوادر اهتمامهم قبل مجيء بان كي مون برفقة رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي للتنمية ثم اطلاق قرض البنك الدولي المشروط بحزمة ما يسمى بالاصلاحات ومن بعده قرض صندوق النقد الدولي والترويج لتصنيف ائتماني جديد للعراق يساهم في تقديم المزيد من القروض ومزيد من الشروط والالتزامات وكان لا بد من تمويل لحملة اعادة اعمار المناطق المحررة كما وعدت صاحبة المشروع التي انفقت نحو 650 مليار دولار كفاتورة للحرب في العراق.. فهل سيعاد ترتيب الأوراق ويكون كل شيء على ما يرام؟ وهل سيشعر الشارع بتغيرات ايجابية مع نهاية هذا العام؟.. أسئلة ربما نختلف عليها، ولكننا ربما لن نختلف على ان العراق ستكبله الديون وشروط سدادها التي ستكون القيد الشديد بمعصم اية حكومة مقبلة.