د. أمل الأسدي تحدثت موسوعة ثورة العشرين بأقلام أجنبية عن الإدارة المدنية البريطانية في منطقة الفرات الأوسط وسعي المستعمر البريطاني ـ بعد الاستيلاء على بغداد ـ الى فرض الإدارة المدنية في منطقة الفرات الأوسط؛ بهدف استخراج الموارد المحلية وتأمين الأفراد لضمّهم إلى الجيش الهندي ، وإنشاء وجود إداري جديد بأهداف تخضع لطموحات امبريالية بريطانية أوسع في العراق وإمبراطورية بريطانيا العظمى بين الهند والبحر الأبيض المتوسط، و ترسم الموسوعة بمجملها صورة للمجتمع العراقي عموما و المجتمع المحلي في منطقة الفرات الأوسط علی وجه التحديد، فضلا عن توصيفها للمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الفرات الأوسط الذي كان مشهداً معقدًا، فقد تمتع المجتمع المحلي بقدر كبير من الاستقلال السياسي عن النظام العثماني في السنوات الأخيرة، كما كانت مدن المزارات الشيعية موطنًا لرجال دين شيعة ملتزمين بشدة بحماية الاستقلال الذاتي لمنطقة الفرات الأوسط ، وكذلك حماية المجتمعات الإسلامية في أماكن أخرى من الأنظمة الاستبدادية والقوى الأجنبية غير المسلمة مثل بريطانيا العظمى. تقدم الموسوعة ـ أيضاـ حقائق كثيرة تقف في مقدمتها حقيقة أن المسؤولين البريطانيين في العراق بالغوا في الانقسام الشـيعي- السـني واستغلوه وفسروا التصرفات الشيعية والاختلافات بين الطائفتين من خلال عدسة ملوثة بتجارب المسؤولين مع المسيحية في أوروبا. وقد طبق البريطانيون أفكارهم الشخصية حول العلاقة الصحيحة بين الدين والمجتمع المدني والدولة على السياق العراقي ، كما استخدموا أيضًا رموزًا وأفكارًا من الخطابات الحضرية حول الدين والمجتمع لفهم وشرح الوضع في العراق. وتم تحديد الإسلام الشـيعي على أنه يمتلك السمات السلبية وربطها البروتستانت البريطانيون بالكاثوليكية ، بينما ارتبط الإسلام السني بالقـيم البروتستانتية التي اعتبرها البريطانيون حاسمة لنجاح أمتهم وإمبراطوريتهم. نتيجة لذلك؛ وصف المسؤولون البريطانيون باستمرار الإسلام الشيعي أو العراقيين الشيعة بأنهم عرضة للثيوقراطية والتعصـب الدينـي والفكري ، وهي سمات رأى البريطانيون أنها تتعارض مع مهمتهم المتمثلة في إقامة دولة حديثة في العراق، وظل هذا الخطاب متسقًا بشكل ملحوظ وأثَّر على قرارات السياسة البريطانية. أكّد المسؤولون البريطانيون باستمرار على ضرورة استبعاد الشـيعة من الخطاب السياسي في العراق واستخدموا عددًا من الاستراتيجيات لتحقيق هذا الهدف، كما أيد المسؤولون البريطانيون التمثيل الناقص المزمن للشيعة في كل من الحكومة الوطنية والمحلية ، معتمدين على تصوراتهم عن الإسلام الـسـني والشـيعي لاتخاذ قرارات بشأن من كان مناسباً ومن كان غير مناسب للخدمة في الحكومة العراقية الجديدة. من الافكار المهمة التي تطرحها الموسوعة؛ سعي المسؤولين البريطانيين إلی ترسيخ افكار المسيحية لدى شعب بلاد الرافدين؛ فقد أكد البريطانيون مرارًا وتكرارًا على الحاجة إلى الفصل بين السلطة الدنيوية والروحية وضرورة إقناع العراقيين بأن يكونوا منفتحين ومستعدين للعمل مع المسيحيين البريطانيين واحتضان أفكارهم ومؤسساتهم، وكل هذه الأفكار لها نتائج طبيعية في الثنائية البروتستانتية الكاثوليكية التي وصفها ماكليود، فغالبًا ما كان الخطاب البريطاني حول العراقيين الشـيعة تحديداً يدور حول هذه الموضوعات ، مما أدى إلى إجراء مقارنات بين الشيـعة والسـنة كانت دائمًا لا تصب في صالح الشيعة. إن المسؤولين البريطانيين ربطوا بصراحة واضحة بين البروتستانتية والإسلام السـني وبين الكاثوليكية والإسلام الشـيعي، وقد أشارت تقارير الاستخبارات غالبًا إلى القيادة الدينية الشيعية باسم « فاتيكان الشيعة « أما الخسائر التي ألحقتها الثورة بالبريطانيين فهي كالاتي: ١- أضعفت الثورة السيطرة الإدارية العامة البريطانية في الفرات الأوسط ، ووجهت ضربة قوية للجهود البريطانية في تحصيل الضرائب؛ ووفقا للسير بيرسي كوكس ، فإن نفقات الإدارة المدنية فاقت بكثير الإيرادات المحصلة في العراق خلال السنة المالية 1920-21. إذ وصلت المصروفات في 1920-1921 إلى 1092 لاخ ( اللاخ الواحد يعادل مائة ألف روبية) بينما بلغت الإيرادات المحصلة 1059 لاخ . ٢- كان العجز بين المقبوضات والنفقات جزئيًا نتيجة الثورة في الفرات الأوسط فعلى سبيل المثال؛ أدت الثورة إلى تدمير المحاصيل التي تسيطر عليها بريطانيا، بسبب انخفاض إمدادات المياه من قبل البريطانيين أنفسهم في مناطق معينة ، فضلاً عن تدمير الممتلكات الحكومية». ٣- الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية وتوقف الحركة التجارية وعدم قدرة الإدارة المدنية على تحصيل الضرائب في مناطق الثورة المفتوحة كان لها تأثير مماثل على الإدارة المالية البريطانية. ٤- كان للثورة تأثير عميق على الإدارة المدنية للعراق وتصميم النظام السياسي العراقي في ظل الانتداب البريطاني. ٥- أدت الثورة إلى تعليق مؤقت للسياسات القمعية للإدارة المدنية وممارسة ضغوط هائلة على بريطانيا العظمى لإعادة النظر في أجهزتها الإدارية في العراق. ٦- بحسب الكُتاب الأجانب فإن ثورة العشرين الكبرى هي التي وضعت حجر الأساس للدولة العراقية الوطنية التي تأسست بعد الثورة ونتيجة لها. ومادياً كانت الخسائر كالآتي: - كلفت الثورة العراقية 40 مليون جنيه استرليني ، وهي ضعف الميزانية السنوية المخصصة للعراق، وثلاثة أضعاف المبلغ الإجمالي للإعانات التي دفعتها بريطانيا العظمى للثورة العربية. ـ في أثناء الثورة العراقية، قُتل قرابة 8.450 عراقي نتيجة القمع الوحشي والقصف بالطائرات من قبل البريطانيين، وأغلب الضحايا من القبائل الشـيعية في منطقة الفرات الأوسط، فيما بلغ عدد القتلى من الجنود البريطانيين 312 جندياً بريطانياً ، وفقد 451 منهم، بينما بلغ عدد الجرحى 1.228، أما الأسری فقد بلغ عددهم مئة جندي في النجف فقط، من بينهم ضباط انجليز وشخصيات مهمة. ـ إلی أي مدى يمكن لهذه الموسوعة تغيير بعض المفاهيم السائدة حول ثورة العشرين؟ إن المتتبع لأحداث الثورة العراقية الكبرى وتفاصيلها كما يرويها الكُتّاب الأجانب في الموسوعة الحالية؛ يتيقن بأن ثورة العشرين الكبرى وعلی الرغم من سيطرة الإنجليز عليها عسكرياً؛ نجحت في تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها، بعكس المفهوم السائد من أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها واستسلام قادتها وهروب آخرين خارج العراق، ويؤكد الباحثون في هذه الموسوعة على أن الثورة العراقية عام 1920 دفعت بريطانيا العظمى إلى تغيير سياسة الحكم المباشر التي كانت تعتزم تطبيقها منذ إنشاء الإدارة البريطانية للبلاد في عام 1918. كما أجبرت الثورة البريطانيين على تضمين ـ كفترة أولى ـ اتفاقية حكومة عربية مستقلة « في العراق ، والتي كانت قد قررت بالفعل من قبل لندن ، وإن لم تكن مستقلة كما كان يتوقعها العراقيون. وبفضل ثورة العشرين، وخلال تشرين الثاني 1920 ، اقترحت بريطانيا في برقية استعمال اسم العراق بدلاً من بلاد ما بين النهرين وهو الاسم الذي حملته بلاد الرافدين بعد ثورة العشرين الكبرى حتی الآن. نجحت ثورة العشرين سياسيا في الحفاظ علی هوية العراق، هويته الدينية الإسلامية التي أرادوا تذويبها وتحويلها إلی المسيحية، وهويته القومية والاجتماعية؛ إذ أفشلت ثورة العشرين هندنة العراق التي سعی البريطانيون الی تحقيقها من أجل تحويل العراق الی مستعمرة بريطانية مشابهة للهند بكل تفاصيلها ونظامها الاجتماعي. |