الدكتور محمد الراوي الإنسان منذ خُلق يحاول أن يجد معنى لحياته. وهناك ما يشبه الإجماع في هذا العالم،على أن التحلي بالإنسانية يحقق هذا الهدف،فهو يعني أن نكون أشخاصاً جيدين،نؤمن بوجود جوهر إنساني بداخلنا،فالإنسانية عاطفة لا تعرف وطناً ولا قوماً ولا جنساً ولا لوناً،بل ينضوي تحت جناحها العالم الإنساني كله،مما جعلها كما وصفها مصطفى لطفي المنفلوطي» الجامعة الإنسانية هي الجامعة الكلية العامة التي يلجأ إلى كنفها هذا المجتمع الإنساني كلما أزمته أزمة أو نزلت به نازلة،وهي المطلع الذي تشرق منه شمس الرحمة الإلهية على هذا الكون فتنير ظلماءه وتكشف غماءه،وهي الحكم العدل الذي يفصل في قضايا المجتمعات البشرية حين تنفصم عروتها ودب لبيب العداوة والبغضاء بين احياءها».فهي أكثر الروابط البشرية سموا وأكبر دليل على رقي المجتمعات، لا تتوقف أمام أي حواجز دينية أو عرقية أو فكرية،انها لغة عالمية بكل معنى الكلمة،لغة صالحة لكل زمان ومكان، وهي ثقافة لا تتأتى من فراغ... وهي جزء من حضارة الشعوب، وارقى صفة يتحلى بها ألمرء، وبها يُعظم قدره في القلب والضمير اولاً،ثم في مجتمعه ومحيطه ثانياً،ولا يفقد المرء شيئاً من انسانيته إلا حينما يفقد شيئاً من شعوره واحساسه،أذ هي أصالة ذاتية يحثها الضمير الصادق، وتلازمها الروح الصافية.إن ازدهار الانسانية وتقدمها يتجلى في كيفية الحفاظ على أرواح البشرية من الموت والدمار،يكمن في صون كرامتها وضمان حريتها، والحرص على ضمان العيش لجميع أفرادها بسلام وتسامح وأمان. فالمفهوم الإنساني يفرض علينا أن نحترم الجميع بكل ما يحملونه من أفكار ومعتقدات واديان،ان ننظر إلى الجوانب التي تربطنا بالاخرين،لا التي تفرقنا عنهم، أن نبتعد عن تصنيف الناس حسب دينهم ومذهبهم ودرجة تدينهم وعرقهم وثقافتهم وانتماءهم. يقول سيدنا علي(رض):(الناس صنفان إما اخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق) تلك الحكمة لا تزال ترن في أسماع الدنيا وتتناقلها الأجيال،وهذا ديننا الحنيف أمرنا أن نتعايش مع من نختلف معهم في الدين والعقيدة والفكر( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين) وقوله تعالى( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). يقول»البرت شفايترز): الإنسانية هي إلا يتم التضحية بأنسان في سبيل غاية. لكن وفي سبيل الاستمرار في هذا العالم الوحش نسينا تماماً أننا أناس يحكمنا الحب قبل القوة،تجمعنا المودة التي تضمن استمرار التعايش، لكنها لم ترى للأسف سوى كائنات ادمية جعلت من الحب مجرد غريزة جنسية حيوانية يتكاثر بها الإنسان وتموت بها الانسانية،ونحن نبحث عن التقدم استحوذت على انسانيتنا القوة وحب التملك، فبأسم الانسانية ترتكب أفظع الجرائم على الانسانية،وباسمها تستباح شعوباً وتشتعل حروباً والانسان المستضعف حطباً لنارها،وهذا هو الطغيان الذي يهدم انسانية الانسان الذي كرمه الله( ولقد كرمنا بني آدم...) فيتحول من رتبة التكريم إلى أن ينحط بإرادته،فتكون احكامه انتقائية تفتقد إلى الموضــــــوعية ويكيل بمكيالين، وعندئذ يتوقع منه أن يخرب ويفسد كل شيء، وهذا ما نشـــــاهده اليوم في كثير من دول العالم من ممارسات تعسفية دكتاتورية وطغيان وتجبر وإرهاب ... الإنسانية تحتاج أن نبرهن عليها في كل وقت، وان نعمل على ما يعيد أو يعطي معانيها الحقيقية والصادقة، ونزرع بذورها في العقول التي في صدور صغارنا الخصبة ونسقيها سلوكنا،نعلمهم أن الإنسانية قيمة راقية جداً، وسلوك أنساني نبيل، وأفعال لاتقدر بثمن، سلوك تلقائي يحمل في مضمونه الخير والحب وجبر الخواطر، والعطف والحنان، والإخاء والمساعدة، والتعاون والمشاركة،والإهتمام والدعم والمساندة... |