مشتاق الربيعي
في زحام هذه الحياة، وسط تقلباتها ودواماتها، يُرسل الرب لنا أحيانًا هدية لا تُشبه شيئًا… هدية لا تُعلَّق على باب، ولا تُغلَّف بورق، ولا تُشترى بثمن. هدية من نوع نادر… اسمها: “إنسان”. ذلك الإنسان الذي لا يُشبه أحدًا، الذي حين يأتي، تشعر كأن روحك التقت بظلها بعد غياب طويل، كأنك وجدت نفسك بين ملامحه، وكأنك كنت تنتظره دون أن تعلم. قد لا يأتي على هيئة حبيب كما نظن، بل قد يظهر على شكل صديق يُشبه دفء العائلة ، أو أخ لم تلده أمك لكنه ولدته الحياة لك، أو شخص غريب تعرفه أيامًا قليلة، لكنه يترك فيك أثرًا يدوم لسنوات. هؤلاء البشر… حين يأتون، لا يغيّرون يومك فقط، بل يعيدون ترميم روحك، ينتشلونك من هاوية الإحباط دون ضجيج، ويمنحونك شعورًا بالأمان، يكفي لأن تعيد ترتيب فوضاك الداخلية. هم الذين لا يسألون كثيرًا، لكنهم يفهمونك من نظرة، لا يلومون، بل يحتوون، لا يقطعون الطريق عندما تتعثر، بل يمدّون أيديهم ليقولوا لك: “أنا هنا… لا تمضِ وحدك”. بعض البشر ليسوا صدفة… هم رسالة، بل أحيانًا، هم الرحمة التي أرسلها الرب على هيئة إنسان. وجودهم في حياتك ليس شيئًا عابرًا، بل نعمة تستحق كل الشكر. وقد يمرّ العمر، ونلتقي المئات، لكنّ هناك شخصًا أو اثنين… يبقون في الذاكرة كما هم، بكل ما فيهم من دفء، وصدق، واهتمام نادر. نفتقدهم إن ابتعدوا، نتذكّر تفاصيلهم الصغيرة، ابتسامتهم، طريقتهم في المواساة، حديثهم الذي كان يُعيد الحياة لأيامنا، ونُدرك أن حضورهم لم يكن عاديًا… بل كان توازنًا داخليًا لا يُعوَّض بسهولة. فإذا رزقك الرب هذا النوع من البشر، فتمسّك به جيدًا، واعتنِ به كما تعتني بنعمة ثمينة، فبعض البشر لا يُعوَّضون، ولا يتكرّرون، ولا يُنسَون… حتى لو مضى العمر كله: ليس كل من مرَّ في حياتك كان “هديّة”، بعضهم دروس، وبعضهم عبر، وبعضهم مجرّد عبور. لكن إن منحك الرب شخصًا حين كنت بحاجة إلى سند… فلا تشكّ أبدًا أن تلك كانت عناية إلهية على هيئة “بشر” |