رأفت الياسر لم يكن الهدف الحقيقي من الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً هو مجرد منع إيران من إمتلاك قنبلة نووية أو تدمير برنامجها الصاروخي كما زعم نتنياهو مرارًا. تلك كانت الواجهة، أما الحقيقة فكانت أعمق وأكثر خطورة: إسقاط النظام الإيراني من جذوره، واجتثاث ما يسمونه بـ”التهديد الشيعي” من الأساس. في الضربة الأولى، لم تستهدف إسرائيل المفاعلات أو مخازن الصواريخ فحسب، بل ركّزت على اغتيال القيادات، وتصفية كوادر الحرس الثوري، وشلّ مفاصل القيادة. بالتوازي، جرى تفعيل خلايا داخلية واستعداد العملاء المدنيين لدعم انقضاض العملاء العسكريين ، على أمل أن تشتعل شوارع طهران في انتفاضة تقلب الموازين. ولذلك لم يكن غريبًا أن نسمع نتنياهو، ومن خلفه ترامب، يناشدان الشعب الإيراني للنزول إلى الشوارع، معتبرين أنها “فرصتكم الذهبية”. لكن حين فشل الرهان، تراجعا وقالا إن تغيير النظام شأن داخلي. كذبة أخرى طُويت تحت رماد الهزيمة. ما يفضح هذا المخطط هو الاستهداف المتعمد لمنشآت غير عسكرية: السجون لضمان هروب جماعي يعمّق الفوضى، ومبنى التلفزيون الإيراني في محاولة لإسكات صوت النظام. لم تكن حرباً على قدرات، بل حرباً على جوهر الجمهورية ومنهجها. التهديد – كما تدّعي إسرائيل – ليس في الصواريخ أو القنبلة، بل في “العقلية الشيعية الثورية الكامنة في جوهر هذا النظام”. فالنظام الإيراني، حتى لو انكسر، سرعان ما يعيد ترتيب صفوفه ويعود أشد صلابة، وهذا ما يخشاه العدو حقًا. لأن ضربة غير قاتلة، تعني بالضرورة بقاء الخطر، بل تضاعفه. لكن المفاجأة التي لم تُحسب جيدًا: أن الضربة فشلت، والنظام لم ينهَر، بل استعاد زمام المبادرة، وانقضّ على العدو بضربات موجعة، تقطع الأنفاس وتربك الحسابات. إنّ ما جرى ليس سوى فصل من صراع وجودي. فأمريكا وإسرائيل لا تريدان تقليص التهديد، بل محو “المحور الشيعي” بالكامل، إما بإسقاط النظام أو بتركيعه، وكلاهما يؤدي إلى النتيجة ذاتها. ولهذا، لا تُوصف المعركة مع الكيان الإسرائيلي بأنها “حرب أو نزاع”، بل هي صراع وجودي، لا يقبل القسمة، ولا ينتهي إلا بزوال أحد الطرفين. لكن ما لا يُدركه الأعداء، أن أبناء فاطمة لا يُهزمون، وأن هذا الكيان الذي ينفخ عضلاته اليوم، لن يبقى كثيرًا… فالقادم أعظم، والنهاية أقرب مما يظنّون. ومع كل هذا، بقي سؤالٌ جوهري معلقًا: حين يُهدَّد أمن العراق القومي، وحين تتعرض مقاومته أو مواقعه للعدوان، هل سيلتف الشعب حول حُماته؟ هل سيتصرف كجبهة وطنية متماسكة؟ أم سيتكرر سيناريو لبنان، حيث يُترك الجنوبيون وحدهم ليدفعوا ثمن المواجهة، بينما البقية يتفرجون من بعيد؟ الدرس الإيراني واضح: النظام صمد لأنه كان يعبر عن وجدان شعبه، فلما اشتد الخطر، كانت الجماهير درعه وسنده. فهل يكون للعراق مثل هذا السند، أم سيُترك رأس المقاومة مكشوفًا في زمن لا يرحم الضعفاء؟ |