د. محسن حنون العكيلي مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، تتكرر ظاهرة خطيرة اعتدنا عليها في كل موسم انتخابي، وهي ارتفاع أصوات طائفية بغيضة من بعض القيادات السنية، التي كان يفترض بها أن تكون شريكاً في بناء الدولة العراقية. فإذا بنا نسمع تصريحات مسيئة ضد المكون الأكبر في العراق، المكون الشيعي، بوصفه غوغائياً أو أهل عتاقه أو شروگية أو أهل لطم فقط، وهي عبارات لا تليق بالخطاب السياسي ولا بالقيادات الوطنية، بل تكشف عن حقد دفين ما زال يعشعش في عقول البعض. هذه التصريحات لا تصدر عن أشخاص عاديين في الشارع، وإنما عن قيادات تشارك في العملية السياسية منذ عام 2003، وتتمتع بمناصب وامتيازات، لكنها في كل أزمة تتنصل من مسؤوليتها وتُلصق الفشل بالحكومات الشيعية وكأنها وحدها من يدير السلطة. وما هو أشد مرارة، أن بعضهم راح يتغنى بحكومة “الجولاني” أو ما يسمى “أحمد الشرع” في سوريا، وهي حكومة قائمة على الإقصاء المذهبي، والإعدامات الميدانية، وإهانة الكرامات بحلق الشوارب، بينما في العراق لدينا دستور وانتخابات ودولة ديمقراطية تعددية، ورغم سلبياتها تبقى أفضل بمئات المرات من أنظمة العصابات الدموية التي يتغنون بها. المكون الشيعي ليس بحاجة إلى شهادة من أحد، فتاريخ العراق الحديث والقديم يشهد على تضحياته: • في ثورة العشرين، كان للعلماء والمجاهدين الشيعة دور حاسم في مقاومة الاحتلال البريطاني وصياغة هوية العراق الوطنية. • في مواجهة الدكتاتورية، كان الشيعة أول من وقف بوجه نظام البعث، وقدموا قوافل من الشهداء في المقابر الجماعية والسجون. • بعد 2003، تحمل الشيعة العبء الأكبر في حماية العملية السياسية الناشئة، وكانوا الطرف الأكثر التزاماً بوحدة العراق رغم محاولات الإقصاء والتهميش. • في الحرب ضد داعش، قدّم الحشد الشعبي، الذي تشكل بفتوى المرجعية، الدماء الزكية لتحرير مدن العراق من الإرهاب، ولم يسألوا عن مذهب من يحررون أرضه، بل كانوا يقاتلون دفاعاً عن العراق بكل مكوناته. إذن، من يحاول تشويه صورة الشيعة أو تسقيطهم عبر خطابات كراهية رخيصة، إنما يتطاول على تاريخ مشرف وعلى مكون أساسي كان ــ وما زال ــ صمام أمان العراق. هذه التصريحات ليست مجرد كلمات، بل هي بذور فتنة تهدد السلم الأهلي، وتعيدنا إلى أجواء 2006 عندما دفعت الخطابات الطائفية بالعراق إلى حافة الحرب الأهلية. ومن المؤسف أن بعض القيادات لم تتعلم من الدروس، وتصر على تحويل الانتخابات إلى سوق نخاسة طائفية، تبيع فيها الشعارات البالية على حساب دماء العراقيين. لكل ذلك على الجهات المعنية أن تنهض بمسؤولياتها: 1. على الحكومة العراقية أن تتحمل مسؤولياتها الدستورية في ردع هذه الأصوات المسمومة، لأنها تهدد الأمن والسلم المجتمعي. 2. على مجلس القضاء الأعلى أن يتدخل لمحاسبة كل من يتطاول على مكون بأكمله بخطاب كراهية، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون. 3. على القوى السياسية الوطنية أن ترفع الصوت عالياً ضد هذه التصريحات، وألا تصمت بدافع المصلحة أو المجاملة. 4. على الشارع العراقي الواعي أن يرفض الانجرار وراء هذه الأجندات المريضة، وأن يثبت أن العراق أكبر من الطائفية وأقوى من الكراهية. إن المكون الشيعي، المكون الأكبر في العراق، لم يكن يوماً عقبة أمام وحدة الوطن، بل كان دائماً حامياً للعراق ومدافعاً عنه. أما القيادات التي تعيش على إثارة الفتنة، فهي قيادات مفلسة سياسياً لا تملك مشروعاً وطنياً، وتبحث عن أصوات عبر التحريض والشتائم. العراق لن يُبنى بالخطابات المسمومة، بل بالتلاحم والتعايش والصدق في خدمة الناس. ومن يراهن على تمزيق الشعب بخطاب طائفي، فلن يحصد سوى الخزي والفشل. |