محمد حسن الساعدي تُعد الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي الذي بدأ منذ عام 2003ومع اقتراب موعدها، تتزايد التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وسط آمال شعبية بإحداث تغيير حقيقي في بنية النظام السياسي وتحقيق إصلاحات طال انتظارها. منذ الانتخابات الأخيرة، شهد العراق تحولات كبيرة، أبرزها تصاعد الاحتجاجات الشعبية في عدة محافظات، والتي عبّرت عن غضب جماهيري واسع تجاه الفساد المستشري، وسوء الخدمات، وتردي الأوضاع الاقتصادية. هذه الاحتجاجات دفعت الحكومة إلى تقديم وعود بالإصلاح، وتعديل قانون الانتخابات، وتشكيل مفوضية جديدة، في محاولة لاستعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية. بالرغم من هذه الخطوات، لا تزال الشكوك تحيط بنزاهة الانتخابات القادمة، خاصة في ظل استمرار النفوذ الحزبي على مؤسسات الدولة، وتفشي المال السياسي، ووجود السلاح خارج إطار الدولة،هذه العوامل تهدد بإعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية التي فشلت في تلبية مطالب الشعب، ما يثير مخاوف من عزوف جماهيري واسع عن المشاركة في التصويت. بالمقابل، ظهرت حركات وتيارات جديدة، بعضها منبثق من ساحات الاحتجاج، تسعى إلى كسر احتكار الأحزاب التقليدية للسلطة، وتقديم بدائل سياسية تعبر عن تطلعات الشباب والمهمشين،هذه القوى تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التمويل، وقلة الخبرة التنظيمية، وصعوبة الوصول إلى وسائل الإعلام، لكنها تمثل بارقة أمل في تجديد الحياة السياسية العراقية. الملفات المطروحة في الحملات الانتخابية تعكس حجم الأزمات التي يعاني منها العراق. فالقوى السياسية تتحدث عن مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، لكن المواطن العراقي بات أكثر وعيًا، ويطالب ببرامج واقعية قابلة للتنفيذ، لا شعارات انتخابية تُنسى بعد يوم الاقتراع. من جهة أخرى، تلعب العوامل الإقليمية والدولية دورًا مؤثرًا في الانتخابات، حيث تسعى بعض الدول إلى دعم حلفائها داخل العراق لضمان مصالحها الاستراتيجية، ما يضع تحديًا إضافيًا أمام استقلالية القرار الوطني، كما أن مراقبة المجتمع الدولي لسير العملية الانتخابية ستكون حاسمة في تقييم مدى شفافيتها ومصداقيتها. في ظل هذه المعطيات، تبدو الانتخابات القادمة اختبارًا حقيقيًا للنظام السياسي العراقي. فإما أن تكون فرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، عبر انتخابات نزيهة تُفرز برلمانًا يعبر عن الإرادة الشعبية، أو تكون محطة أخرى في مسلسل الإحباط السياسي، تُكرّس الانقسام وتُعمّق الأزمة. الانتخابات العراقية تمر بمرحلة انتقالية بين إرث الماضي وطموحات المستقبل،وإذا ما استمرت الإصلاحات، وارتفعت نسبة المشاركة، فإن العراق قد يشهد تحولًا حقيقيًا نحو ديمقراطية أكثر تمثيلًا وعدالة، فهي تمثل مرآة لحالة الديمقراطية في البلاد،وبين طموحات الشعب وتحديات الواقع، يبقى الأمل قائمًا في بناء نظام سياسي أكثر شفافية وتمثيلًا، شرط أن تترافق الانتخابات مع إصلاحات حقيقية في بنية الدولة ومؤسساتها. إن نجاح الانتخابات لا يتوقف فقط على الإجراءات الفنية، بل على الإرادة السياسية في احترام نتائجها، وضمان تداول سلمي للسلطة، وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية. فالعراق اليوم بحاجة إلى قيادة شجاعة، قادرة على مواجهة التحديات، والاستماع لصوت الشعب، والعمل بجدية نحو بناء دولة المواطنة والعدالة. |