كاظم ابورغيف (ما نقموا من عليٍّ إلا لتنمّره في ذات الله) السلام على فاطمة الزهراء، البضعة الطاهرة، التي ما نطقت إلا بالوحي، ولا وقفت إلا في موقع الحجة. السلام على من استُشهدت وهي تدافع عن الوصية، وعن خط الإمامة الذي أراده الله امتداداً لنبوّة أبيها ص. حين كشفت الزهراء (ع) وجه الانحراف في مرضها الذي ختمت به جراحاتها، اجتمعت بها نسوة المهاجرين والأنصار، يعددن فضائلها ويبكين لما أصابها. فأجابتهم الزهراء (ع) بكلمةٍ هزّت عرش التاريخ، وقالت بجرحٍ لا يُنسى: «إنّ القوم ما نقموا من عليٍّ إلا لتنمّره في ذات الله». كلمة واحدة، لكنها تلخّص النكبة الكبرى للأمة بعد نبيّها. لقد بيّنت الصدّيقة الشهيدة أن سبب إقصاء عليٍّ (ع) لم يكن سياسياً ولا اجتماعياً، بل لأنّه شديدٌ في ذات الله، لا يلين في الحق، ولا يُهادن في الأمر الإلهي، ولا يرضى أن تُستبدل إرادة السماء باجتماع السقيفة وارادة الارض. سقيفةٌ خالفت الوحي حين قبض الله نبيّه ص، كانت وصيّته واضحة كالشمس: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه». لكنّ القوم — خوفاً من سطوة العدل العلويّ — تآمروا في ظلمة السقيفة على النور، وبدّلوا الوصية بالهجوم، والطاعة بالعصيان. فوقف عليٌّ (ع) على باب بيته، رافضاً أن يبايع من نُصِّب على خلاف أمر الله ورسوله، وحين هُدّد بالحرق والإكراه، خرجت الزهراء (ع) تدافع عن وصيّ الله بدمها، حتى رُضَّت خلف الباب وكُسر ضلعها. وما كان جرحها إلّا جرح الرسالة، وما كان بكاؤها إلّا بكاء السماء على خيانة الأرض. تنمّر عليٍّ في ذات الله.. تهمة أم وسام؟ لقد جعلت الزهراء (ع) من تلك التهمة وساماً لعليٍّ. فالذين تنمّروا عليه بسبب تنمره في ذات الله، ما استطاعوا أن يحتملوا عدله، ولا صموده في وجه الباطل. كانوا يريدون رجلاً يسايرهم، وعليٌّ لا يعرف المسايرة، بل يعرف الولاء لله دون الناس. كانوا يريدون خليفةً على مقاس الهوى، فجاءهم إمامٌ على مقاس الوحي، فاستكثروا شدّته في الحق، وبدلاً من أن يخضعوا للحق، جعلوا شدّته ذنباً وعدله خطيئة. وهكذا تنمّروا عليه لأنّه لا يجامل في دين الله، ولا يسكت على تحريف السنة، ولا يهادن في حدود الله، فصار «تنمّره في ذات الله» حجّةً عليهم إلى يوم القيامة. فدك.. مرآة الخلافة المغصوبة وما مطالبة الزهراء (ع) بفدك إلا امتدادٌ لرفضها لنتائج السقيفة. فقد أرادت أن تثبت أن القوم الذين كذبوا على رسول الله في الإرث، هم أنفسهم الذين كذبوا عليه في الخلافة. وأنّ من سرق أرضها لا يتورّع أن يسرق ولاية زوجها. لذلك لم تكن فدك نخلاً وثماراً، بل كانت شهادةً سياسيةً على غصب الحقّ العلويّ. بين فاطمة والأمة قالت الزهراء (ع): «لقد ابتُليت الأمة بعظيم مصيبتها، بفقد نبيّها، وانقطاع وحيها، وظهور نفاقها». وهكذا لم يكن موتها موت جسدٍ عليل، بل استشهاد وعيٍ يقظ أراد أن يفضح الأمة أمام نفسها. لقد ماتت وهي تعلم أن الأمة ستبكيها قروناً، ولكنها أرادت أن تبقى دمعتها نبراساً لكل جيلٍ يُفتن بين عليٍّ وأعدائه. رسالة إلى أتباع مدرسة الخلافة يا من لا تزالون تدافعون عن مشروع السقيفة وتبرّرون ظلم الزهراء، أيّ عذرٍ يبقى بعد قولها: «ما نقموا من عليٍّ إلا لتنمّره في ذات الله»؟ أتُكذّبونها وهي بنت رسول الله؟ أتردّون شهادتها وهي الصدّيقة الطاهرة التي لم تكذب قط؟ إنّ الدفاع عن أولئك القوم دفاعٌ عن التنمّر على الحقّ، وسترٌ على جريمةٍ لم تغسلها قرون التاريخ. فاذكروا أنكم حين تبرّرون غصب الخلافة، تبرّرون كسر ضلع الزهراء، وتدافعون عن خيانة الأمة لوصيّ نبيّها. خاتمة عزاء سلامٌ على فاطمة يوم وقفت على باب بيتها تحامي عن وصيّ الله، وسلامٌ عليها يوم نازلت الباطل بحجّةٍ من نور، وسلامٌ عليها يوم نطقت بكلمةٍ خالدةٍ كشفت حقيقة الصراع إلى قيام الساعة: «ما نقموا من عليٍّ إلا لتنمّره في ذات الله». سلامٌ على من رحلت مظلومةً لتبقى حجّةً على الظالمين، وسلامٌ على بعلها الذي صبر صبر الجبال، وسلامٌ على ذريّتها الذين ورثوا دمعتها سيفاً وعلماً، وسلامٌ على محبّيها الذين ما زالوا يبكونها وعينُ وعيهم مفتوحة على خيانة التاريخ. |