محمد شريف ابو ميسم جاءت الانتخابات العراقية 2025، في خضم تحولات وتداعيات خطيرة في منطقة الشرق الأوسط، لتشكل تحديا للشعب والقوى السياسية على مختلف توجهاتها وأحجامها. ليس لأن الفاعل الخارجي يريد للعراق أن يلتحق بمنظومته السياسية والاقتصادية في سياق الاستقطاب وفرض الوصايات والتبعية وحسب، بل لأنها كانت وبحق منعطف خطير لمعايير الوعي والأوزان والأحجام الوطنية وغير الوطنية، فضلا عن أهميتها في كشف مستوى الوعي الجمعي ازاء هذه التحديات، والنظر بحرص لمستقبل العملية السياسية في هذه البلاد. نعم كانت الورقة الطائفية وأدوات التسقيط ورواج فكرة عدم الجدوى من اقامتها، هي الأبرز على طاولة التنافس ورغبة المشاركة من عدمها، واستطاعت بعض القوى أن تستقطب أكبر عدد من جمهورها على هذا التأسيس، فيما انحسرت مشاركة بعض التشكيلات المجتمعية، إلا أن حجم المشاركة الكلية كشف عن تنافس في رغبة ومواقف الناخبين أكثر من المتنافسين، وعن وعي لخص مجريات الاختيار في سياق حجم التحديات، التي يمكن أن تواجهها البلاد، فخسر الكثير من المراهنين على اسلوب الشتائم والتوصيفات الطائفية والعنصرية، أمام المعتدلين في خطابهم، وتلاشت حظوظ المتصدين للعاملين على خدمة الناس، ومعهم الكثير من الداعمين للتواجد الأجنبي، وهذا أمر يحسب للوعي الجمعي الذي راهنت على تغافله بعض القوى والجهات الخارجية الداعمة لها. ولم يكن للقوائم الجديدة التي أسسها بعض الساسة من حظوظ الا جمع الأصوات من قبل المشاركين بها لصالح من يتقدم تلك القوائم، ما كشف للطارئين على السياسة متأخرا، انهم ليسوا سوى جامعي أصوات بنصف كلف حملاتهم الانتخابية التي يمّولونها من نفقاتهم الخاصة، وهذا الاسلوب الانتخابي المعتمد في انتخابات برلمانات الديموقراطيات الناشئة، أثبت للمرشحين في هذه القوائم، أن الرأي العام يتعاطى مع الخطاب اليومي الذي تصنعه الكتل السياسية الكبيرة، التي تختار النظام الانتخابي وفق رؤيتها وصولا إلى مرحلة تكون فيها هي محور التنافس، ما يعني تبعية الكيانات الطارئة في مواسم الانتخابات لصالح هذه الكتل، وأن الانتخابات البرلمانية لا تقبل الحضور للتجمعات والتشكيلات الطارئة في مواسم الانتخابات.بيد ان الدرس الأكثر بلاغة، جاء مع انحسار حظوظ التيار المدني، الذي تحالفت فيه رموز من الشخوص الداعمين لمشروع القوى الرأسمالية العالمية في العراق، مع التيار الاشتراكي الوحيد في العراق، وهنا تختلف قراءة هذا الانحسار بحسب جدية القراءة ذاتها باتجاهين، الأول يعود إلى انعدام الاجابة على سؤال (جدوى هذا التحالف في ظل التناقض الضمني؟)، والثاني عدم امكانية التيار الاشتراكي في مواكبة أدوات الترويج والدعاية الانتخابية، بعد أن انحسر دوره وخطابة المؤثر في ظل هيمنة أدوات العولمة الثقافية وتدجين شرائح واسعة من الأجيال الجديدة على ثقافة الاستهلاك ومخاطبة الغرائز في سياق حق الملكية وخصخصة وظائف الدولة، بجانب تناقضات القبول بمشروع التطبيع من عدمه. وهذا التضاد منحنا درسا للفصل بين الأيديولوجية ورغبة الوصول للبرلمان.إن الدروس البليغة التي قدمتها هذه الانتخابات عديدة ومتنوعة، وقد لا تسعها مساحة هذا المقال، ابتداء بما عرضناه وانتهاء باختفاء لوحات الدعايات الانتخابية بعد لحظة الاعلان عن الانتهاء من هذه الممارسة الديموقراطية، دون أن يكون للجهات البلدية والجهات ذات العلاقة دور في رفع هذه اللوحات الدعائية، وربما يقول قائل إن هذا الأمر يتكرر بعد كل انتخابات،ولكنه يغفل أن 45 بالمئة من الناخبين لم يشاركوا بعملية التصويت، وأن المتغير الذي يتفق عليه الجميع بشأن انحسار الفقر وحملة البناء والاعمار وارتفاع معدلات الدخول، لم يشمل في حده الأدنى فئات واسعة من هذه النسبة المقاطعة، ما يجعل استمرار حضور هذا المشهد، مؤشرا على حقيقة وجود شرائح مجتمعية، ما زالت تعاني من الفاقة والعوز، وغير معنية الا بالحديد الذي يخلّفه صراع الغرماء. |