محمد صالح البدراني الظلام والنور: الم ترى أن الظلام لا يذكر إلا والنور صنوه مُخالِفُهُ ماحِقُهُ، وكلما اتسع الظلام بان اختراقه من الوميض أو تلألئ شعلة من نار مهما بعدت لتكون هداية إلى السبيل، لكن النار لابد من وجود من يشعلها ولابد من تحول المشاعل إلى رماد، فان أتى الصبح بعد ليل بلا قمر استيقظت النفوس الساهرة منها والنائمة، أما الساهرة فمعايش نهضة الشمس يحس بأطياف الشعاع وهو ينتشر والنائم يحتاج إلى وقت ليدرك انه في الصباح بيد انه لم يك يحس بمعاني الظلمة عندما يقترب الخوف مع معانقة غريزة البقاء خيال البشر واسر تفكيره، كل هذا لا يصف الظلام ولا النور إلا من معاناة من لم يحس بمعاناته من ظرفه. أما معنى الظلام فهو الفضاء كله لكنه يتمزق عندما تجهد بدورانها الكواكب لتواجه الشمس فتشرق، بيد أن الشمس ليست آمنة إلا في كوكب كالأرض تحيطه دروع تصفي وتنقي أشعة الشمس التي تستنير بها والتي لولا دروع الأرض لأبادت من على الأرض لذا كانت الأرض الأم للبشرية ليست كتراب فحسب بل كطبقات الهواء التي تغلف الأرض إلى يوم الوعيد، وفي المقابل حين تلامسنا الشمس بنورها ترسم الظلال الممتدة، كأن الضوء لا يكتمل إلا بصحبة العتمة. الطفل يخاف الغرفة المظلمة، والعجوز يغلق عينيه أمام توهج النهار، كلاهما يواجه حقيقة أعمق: النور والظلام ليسا خارجنا فقط، بل فينا ومعنا. الظلام والنور: جدلية الوجود والعدم بين الرمز والحقيقة ومع توالي المدنيات، أصبح الظلام والنور رمزين متلازمين للخير والشر، الجهل والمعرفة، الغياب والحضور، بل وحتى الحياة والموت. لكن، هل هما خصمان يتصارعان في كينونة الكون والإنسان؟ أم أنهما وجهان متكاملان لحقيقة واحدة؟ النور دائمًا مرادفًا للوعي، الحقيقة، والإلهام كما الظلام يصف الجهل في الانطباع العام هكذا تعارف الناس واصطلحوا على فهمه، وشبهوا الشر بالسواد ولا يختلف في تشبيه الشر أفريقي اسود عن ناصع البياض؛ في الفلسفة اليونانية، اعتبر أفلاطون النور صورة الخير الأسمى في “محاورة الكهف”، حيث يخرج السجين من الظلام إلى ضوء الشمس، فيكتشف الحقيقة بعد الوهم. والنور صفة إلهية: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”؛ أي أنه مبدأ الإشراق والمعرفة والوجود، النور هنا ليس فقط ما يُرى بالعين، بل ما يُدرك: لحظة الوعي التي تُبدد الجهل، فكرة تولد وسط الفوضى، أو حب يسطع في قلبٍ مظلم باليأس، أما الظلام فهو الشر والجهل كناية هو ما لا يدرك، هو خيالات كهف أفلاطون، هو أنت في الأمس نسبة إلى معرفتك ووعيك اليوم، لذا كان ومازال الانتقال من الجهل بالله إلى الإيمان تغييرا ثوريا يصعب تفسيره إلا بشروق يوم أو مرحلة جديدة من الحياة. الظلام هو السائد لكن النور القليل يجعل تعريفا للواقع هذا معروف وهذا ليس معروفا فمن بقي على انطباعات أهل كهف أفلاطون، فهو سيبقى في الظلام رغم وجود النور الخلفي الذي لا يولد إلا الخيالات، المؤامرة التي قدرا مقدورا، الأنا الطاغية، الركض وراء الأوهام وتسخيف العلم والعلماء كذلك هم سجناء خيالات كهف أفلاطون. إن لم تبحث فانت ستكون بعلمك كالكرة الأرضية من الظلام مع شمعة في صحراء تسمع عواء الذئاب وينسكب ماءك فلا أنت تنام ولا تشرب ولا تستطيع السير بعيدا، ذلك مثل من وصل تمام العلم في ظنه وراح يحكم على العلم والعلماء من ظلام جهله، لكن الحقيقة أن الإنسان مهما بلغ من علم ومعرفة فهو مازال لم يصل الغاية وإنما عليه أن يبحث ليفهم ليكون خروجه من الحياة أفضل حينما يترك شموعا يستنير بها من بعده فيكمل صناعة الحياة جدلية التوازن: المعرفة شموع لم تشعل فتائلها الثنائية بين النور والظلام سباق مساحات يتقدم فيها نور المعرفة فان وجد من يتفكر وينمي ويستنبط بعد قراءة واقعه انحسر الظلام عن مساحة أوسع فان لم يجد فان المعرفة شموع مكدسة لا تكون فاعلة إلا إن وجدت من يحرق الفتيل لذا فالمعرفة لا تطرد الجهل بل قد يستعين الجهل بها ما لم يك تفكرا يشعل فتائل المعرفة لتكون نورا فتكون كمن اشترى سلاحا يقتله؛ ولعلنا نميز بين الظلام وظل الضوء عندما يأتي المفكر بالجديد فتتصوره ظلاما فلا ظل إلا ونابع من مصدر ضوء، وليس مدرك النور حين يدركه مثل من جرب الظلام. الظلام هو إطار للنور، محيط به من اجل هذا قال الإسلام إننا لا نكره الإنسان بل نكره فعله أن يفعله أو انحرافه عن الراي السديد ولكل علاجه وظرفه؛ فان تاب أتى كما ولدته امه﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 6] من اجل هذا كان سيف الله المسلول وكان عمر أمير المؤمنين وتحول كفار الأمس دعاة هداة للعالمين والا إن قتلت مخالفك فلا دعوة ولا عزوة ولا حياة؛ الحكمة تكمن في التوازن من عاش في النور الدائم قد يعمى عن التفاصيل، ومن غرق في الظلام قد يغطي عينيه منبهرا ويعود إلى الكهف ما لم يشهد نسائم الصبح وخيوط الشمس تبشر بيوم جديد. خاتمة: إن الظلام واسع، والشر قادر ومتمكن لأنه الأكبر دوما فتفعيل البصيرة غير البصر فكم من اعمى يرى ما لا يراه ذو العينين، نحن في الأرض لامتحان منظومتنا العقليــــة فعلى قدر فاعلـــــيتها يتسع النور من حول الناظر فان أغمض عينيه أو لم يشعل شموع المعرفة بقيَ قانعا بظلـــــمة انطباعاته أو ما تلقـــى ويظن أنه يعيش في النور، فلابد من إشعال شموع المعرفة ولا يكتفي بتكديسها أو القناعة بها انطباعا وظنا وتجميد الفكر؛ ذلك مثله كالحمار يحمل أنواعَ الغذاء وهو جائع. |