قاسم الغراوي مع اقتراب تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات 2025، يعود إلى الواجهة البيان المهم الذي أصدرته المرجعية الدينية في (1 جمادى الأولى 1446هـ – 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، والذي وضع خمسة متطلبات تعدّ خريطة واضحة لإصلاح الدولة وتقويم مسارها. هذه الشروط – رغم مرور عام على طرحها – تبدو اليوم أكثر واقعية وإلحاحاً من أي وقت مضى، لأنها تعكس جوهر ما يحتاجه العراق في مرحلة سياسية معقدة تتطلب حسم الخيارات واتخاذ قرارات شجاعة. تتلخص شروط المرجعية في: 1.إعداد خطط علمية لإدارة الدولة تعتمد الكفاءة والنزاهة، 2.منع التدخلات الخارجية، 3.تحكيم سلطة القانون، 4.حصر السلاح بيد الدولة، 5.مكافحة الفساد بلا مجاملة. ومع أن هذه البنود تبدو بديهية لأي مشروع دولة حديثة، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل يلتزم الإطار التنسيقي بهذه المتطلبات عند اختيار الحكومة الجديدة وشخصية رئيس الوزراء، أم يتجاوزها لحسابات توازنات النفوذ والمحاصصة؟ من الناحية الواقعية، ما زال الإطار التنسيقي يعيش صراعاً داخلياً بين تيارين: تيار يدرك أن استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية لن ينتهي ما لم تُبنَ الدولة على أسس الكفاءة وسيادة القانون، وأن الالتزام بتوجيهات المرجعية لم يعد خياراً أخلاقياً فقط بل ضرورة سياسية لبقاء الدولة ذاتها. وتيار آخر لا يزال أسير المعادلة التقليدية التي قامت على توزيع المواقع والنفوذ، والتي أثبتت التجربة أن ثمنها كان باهظاً على الاستقرار ومستقبل الدولة. بعد انتخابات 2025، تبدو الضغوط أكبر من أي وقت سابق. فالرأي العام فقد ثقته في الوعود المتكررة، والشارع أصبح أكثر وعياً، والمجتمع الدولي يراقب شكل الحكومة المقبلة، فيما تتجه المرجعية إلى الصمت المعبّر الذي يجعل القراءة السياسية أكثر وضوحاً: المطلوب هو الأداء، لا الخطاب. إذا أراد الإطار التنسيقي أن يبرهن على أنه قادر على قيادة الدولة لا الاكتفاء بإدارتها، فإن أول اختبار عملي سيكون في اختيار شخصية قوية، كفوءة، نزيهة، قادرة على فرض القانون ومواجهة الفساد، وغير خاضعة لضغط الفصائل والسلاح والتدخلات الخارجية. أما اختيار شخصية ضعيفة أو محاصصية، فسيعني عملياً تجاهل تلك المتطلبات وتكرار دائرة الفشل ذاتها. العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما حكومة تنسجم مع شروط إصلاح الدولة، أو حكومة تُدار بذات المنهج التقليدي الذي يراكم الأزمات بدل حلّها. تاريخياً، كانت المرجعية تمثل صوت الضمير الوطني، وتجاهل توجيهاتها غالباً ما قاد إلى نتائج مكلفة. أما الالتزام بها، فقد منح الدولة فرصة للتماسك والعبور نحو الاستقرار. ولعلّ الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان الإطار التنسيقي سيدرك حجم هذه اللحظة، ويتصرف بمسؤولية تاريخية، أم سيكتفي بترتيب السلطة داخل خريطة نفوذ مألوفة. في النهاية، ليس السؤال: هل طُرحت الشروط في 2024؟ بل السؤال الحقيقي: هل أصبح العراق في 2025 جاهزاً لتطبيقها؟ وما إذا كان الإطار سيستثمر هذه الفرصة ليكتب صفحة جديدة، أم سيضيع فرصة أخرى في لحظة لا تحتمل المزيد من الإخفاق. |