علي جاسب الموسوي تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم لم يعد التصعيد السعودي–الإماراتي في اليمن تفصيلا تكتيكيا أو سوء تنسيق عابر، بل بات صراع نفوذ مكشوفا خرج من الغرف المغلقة إلى الميدان، ومن لغة المجاملات إلى رسائل النار المحسوبة .. الضربة السعودية الأخيرة التي طالت حلفاء الإمارات لم تكن خطأ عملياتيا، بل إشارة سياسية متعمدة بأن زمن الشراكة الصامتة قد انتهى. منذ سنوات، تحركت الرياض وأبو ظبي تحت مظلة واحدة عنوانها (التحالف) لكن بأجندتين مختلفتين: السعودية تبحث عن يمن منزوع الخطر عن حدودها، بينما سعت الإمارات إلى يمن مُجزأ النفوذ، تتحكم بموانئه، وسواحله، وقراره الجنوبي .. ومع تراكم الوقت، لم يعد التعايش بين المشروعين ممكنا. الضربة السعودية ضد تشكيلات محسوبة على أبو ظبي لم تكن استهدافًا لأشخاص، بل إعادة رسم لخطوط الحُمر: اليمن، من وجهة نظر الرياض، ليس ساحة استثمار سياسي طويل الأمد، بل خاصرة أمن قومي . أما تحويله إلى شبكة وكلاء ومليشيات متنافسة، فذلك خطر لا تقبل به السعودية، حتى لو جاء من (حليف) في المقابل، تدرك الإمارات أن نفوذها في اليمن هو أحد أعمدة حضورها الإقليمي، وأن التراجع يعني خسارة أوراق بحرية واستراتيجية ثمينة .. لذلك، فإن الرد لن يكون صاخبا، بل باردا، تراكميا، وملتويا: تعطيل، تحريك أدوات محلية، وإعادة تموضع تحت عناوين مختلفة. ما يجري اليوم هو ما يمكن تسميته بدقة: دق عطر منشم بين الشريكين. ليس انفجارا شاملا، لكنه خصام لا عودة بعده إلى الصفاء القديم .. تحالف الضرورة بدأ يتحول إلى تنافس إدارة الخسائر، وكل طرف يسعى إلى تثبيت ما يمكن تثبيته قبل أي تسوية إقليمية كبرى. الأخطر في هذا الصراع أنه يُدار فوق أرض يمنية منهكة، حيث يدفع اليمنيون ثمن تضارب الحسابات، لا اختلاف المبادئ .. فحين يتقاتل الحلفاء على النفوذ، يصبح (الاستقرار) مجرد شعار، وتتحول الدولة إلى ساحة تصفية رسائل. في المحصلة، لم تعد اليمن ساحة مواجهة واحدة، بل مرآة لتصدع المعسكر نفسه .. وما لم تُحسم الأجندات، لا عسكريا بل سياسيا، فإن الصراع السعودي–الإماراتي سيبقى صامتا في العلن، صاخبا في العمق… حتى إشعار آخر. |