محمد عبد الجبار الشبوط 1. لا بأس ان ابدأ هذا المنشور بكلمة رائعة لعالم الاجتماع الفرنسي گوستاف لوبون يقول فيها: «ان الامم لا تقوم على الشك والريب؛ انما تقوم على الايمان واليقين.وليس لامة من الامم وجود قوي منتج الا اذا كان لها ايمان قري صادق بمثل اعلى اتخذته لنفسها مطمحا. الذي يعنينا ان يوجد هذا المثل وتلتف حوله القلوب، فذلك الشرط الاساسي لوحود الشعوب وخروجها من حياة الهمجية والجهل الى حياة الحضارة و الرقي، فاذا ضعف هذا المثل او ضعف الايمان به، فقد بدات وحدة الامة تتفكك واخذت قوتهادفي الانحلال؛ ذلك لان هذا المثل الاعلى يجمع القلوب. فيوجد اشياء مشتركة هي التي تكوّن الجماعات وهي تذهب بذهاب هذا المثل او ضعفه.» 2. ومن بعده قال السيد محمد باقر الصدر: «كل مسيرة واعية لها هدف وكل حركة حضارية لها غاية تتجه نحو تحقيقها وكل مسيرة وحركة هادفة تستمد وقودها وزخم اندفاعها من الهدف الذي تسير نحوه وتتحرك الى تحقيقه. فالهدف هو وقود الحركة وهو في الوقت نفسه القوة التي تمتصها عند تحقق الهدف فتتحول الحركة الى سكون باستنفادها لهدفها. (...) والشيء نفسه يصدق على المجتمعات فانها كلما تبنت في تحركها الحضاري هدفا اكبر استطاعت ان تواصل السير وتعيش جذوة الهدف شوطا اطول، وكلما كان الهدف محدودا كانت الحركة محدودة واستنفذ التطور والابداع قدرته على الاستمرار بعد تحقيق الهدف المحدود.» 3. وعاش المجتمع العراقي الحديث منذ مطلع القرن العشرين اهدافا وضعتها له القوى السياسية المختلفة التي ظهرت على المسرح السياسي قبيل وبعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة. ولم تستطع هذه الاهداف ان تكون هدفا اعلى او مثلا اعلى للمجتمع العراقي ولم يتخذها هدفا لمسيرته الحضارية. بل ان هذه الاهداف لم تستطع ان تخلق في المجتمع العراقي حراكا حضاريا يستثمر كل قدرات وطاقات المجتمع العراقي. فنشأ بدل ذلك صراع مستمر بين القوى السياسية المختلفة ذات الاهداف المتعددة. وكان الصراع في بعض الاحيان دمويا.ما ادى الى اشغال المجتمع العراقي في صراعات داخلية استنفدت كل طاقاته وقدراته ولم تحقق له النهوض الحضاري المنشود، كما انها لم تحقق له الحياة الطيبة الكريمة التي يتطلع اليها كل انسان. ولعل السبب في ذلك ان هذه الاهداف كانت اهدافا سياسية ايديولوجية، ولم تكن اهدافا حياتية موضوعية انسانية قادرة على كسب كل انسان وجذبه اليها وتحريكه باتجاهها. 4. واليوم، وبعدما دفع العراقيون اثمانا عالية بسبب اهداف سياسية-ايديولوجية غالية الكلفة، فقد حان الوقت من اجل تشخيص هدف يعبر عن حاجة الانسان العراقي وطموحاته وهدفه بالحياة، هدف انساني، حياتي، موضوعي، غير ايديولوجي، قادر على التحريك والتوحيد، بغض النظر عن القومية والدين والطائفة والاتجاه السياسي. وهذا الهدف هو الحياة نفسها، ان تكون الحياة نفسها هي الهدف الاعلى الذي يسعى اليه الانسان في العراق، الحياة الطيبة الحرة الكريمة المرفهة الميسرة. وهذا هدف لا يختلف على اولويته اثنان، ولا يضيع الجهد من اجل تحقيقه في هاوية الصراعات السياسية والعرقية والطائفية المختلفة. ويتحقق هذا الهدف في ظل دولة مشتقة في وصفها وبنائها ووظيفتها منه، وهي الدولة الحضارية الحديثة، التي هي الاطار او المركب الحضاري الذي يتكفل بتحقيق الحياة الطيبة الكريمة للبشر. و لعل المجتمع العراقي لم يصل الى درجة تشخيص هذا الهدف بنفس الدرجة من الوضوح والتبني وهنا يتعين على من ادرك الهدف من العراقيين ان يقوموا بمهمة نشر الوعي والثقافة المتعلقتين به، ليكون بامكان المجتمع العراقي بمواطنيه الفعالين الانطلاق بحركته الحضارية ومسيرته التحديثية نحوه. |