رعد صياح زنكنة أتذكر جيداً ذلك الشعور الغريب الذي انتابني وأنا أتصفح هاتفي، فجأة، بدأت ألاحظ أن غالبية ما يعرض علي من مقاطع فيديو أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الإعلانات التي تظهر لي بشكل متكرر، تبدو وكأنها تعرف تماماً ما يجول في خاطري، أو ما قد أبحث عنه في الساعات القليلة القادمة، شعرت للحظة بارتياب شديد، كأن هناك من يراقب أفكاري ويوجه اهتماماتي الدقيقة دون علمي أو موافقتي الصريحة وهذا الشعور ليس وهماً، بل واقع يتسلل لحياتنا مع الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح جزءاً من يومنا، يختار ما نراه ويقترح ما نشتري ويؤثر في تفكيرنا دون أن ننتبه بشكل كامل لهذا التأثير المتزايد. قد نظن للوهلة الأولى أننا نتحكم بالتقنية وأننا ما زلنا المتحكمين في هذه الخوارزميات المعقدة، و لكن الحقيقة هي أن هذه الخوارزميات بدأت تقودنا وترسم لنا طرقا محددة وتدفعنا نحو قرارات معينة وكأنها تسلبنا شيئا فشيئا تلك المساحة الحرة للاختيار. و ما يقلقني بشكل خاص هو أن الذكاء الاصطناعي بلا ضمير، لا يفهم قيمنا الإنسانية والاخلاقية ، هو يتعلم فقط من البيانات التي نقدمها له ،ولو كانت هذه البيانات منحازة أو غير عادلة، فستكون قراراته كذلك مما قد يؤدي إلى ظلم وتضليل حقيقيين في حياتنا. لا بد أن نكون يقظين وواعيين و نراقب عن كثب كيف يستخدم الذكاء الاصطناعي ومن يقف خلف تطويره وتوجيهه، فالانبهار بالتطور التكنولوجي وحده لا يكفي، بل يجب أن يرافقه وعي حقيقي ومطالبة بوضع قوانين وتشريعات واضحة تحمي إنسانيتنا وخصوصيتنا وحقوقنا الأساسية في هذا العالم الرقمي المتسارع. والتكنولوجيا ليست عدواً بطبيعتها ولكنها قد تتحول إلى قوة معاكسة إذا تركناها تسير بلا رقابة فعالة، والمطلوب هو توجيه هذه الأدوات الذكية لخدمة الإنسان ورفاهيته، لا استغلاله أو السيطرة عليه، ضروره التعليم والتوعية بأهمية هذه القضية بالإضافة إلى وضع قوانين مناسبة وذكية، هي مفاتيح المستقبل الآمن الذي نطمح إليه جميعا. الخيار واضح وجلي: إما ان نتحكم نحن بالذكاء الاصطناعي اليوم ونوجهه نحو تحقيق الخير والمنفعة للجميع، أو نستيقظ غداً لنجده قد أحكم قبضته علينا ليقرر مصيرنا ومستقبل أجيالنا القادمة والفرق الحاسم بين هذين الاحتمالين… هو مستقبلنا المشترك بأكمله. |