علاء عبد الطائي على مدى الدورات الانتخابية السابقة في العراق كان سؤال “المقاطعة” يتكرّر بصيغ متعددة: هل نقاطع الانتخابات احتجاجًا؟ وهل تمثل المقاطعة أداة ضغط حقيقية يمكن أن تؤدي إلى تغيير سياسي فعلي؟ أم أن المقاطعة رغم رمزيتها ما تزال تُنتج نفس الحلقة المفرغة التي تُعيد تدوير القوى التقليدية في مواقعها؟ لننظر إلى تجربة انتخابات 2021 التي شهدت مقاطعة واسعة في بغداد والجنوب خاصة من قبل الشباب والمستقلين وأنصار حراك تشرين المقاطعة آنذاك كانت تعبيرًا احتجاجيًا حادًا ضد النظام السياسي القائم لكنها لم تترجم إلى مشروع سياسي بديل أو رؤية جامعة قادرة على ملء الفراغ الذي خلفته تلك المقاطعة. النتيجة كانت واضحة الأحزاب الأكثر تنظيمًا والتيار السياسي التقليدي سيطروا على البرلمان مجددًا رغم ضعف المشاركة الشعبية حكومة ما بعد 2021 جاءت بشرعية مهزوزة لكن بلا تغيير حقيقي القوى الفاسدة بقيت والواقع الاقتصادي والسياسي استمر في الانهيار وما زلنا نعيش تداعياته حتى اليوم وهنا يأتي السؤال الأكثر جوهرية هل المطلوب هو مجرد مقاطعة أم بناء مشروع؟ طوال الفترة الماضية عملنا بجد لتقديم مشاريع حقيقية لا تكتفي بإدانة الوضع القائم بل تطرح مسارات قابلة للتطبيق أبرزها ١-مشروع الإقليم الشيعي ليس شعارًا انفصاليًا بل ورقة تفاوضية دستورية تستند إلى حق الشراكة العادلة في السلطة والثروة وإدارة الجغرافيا وتقدّم حلًا جذريًا لمشكلة التهميش والتوزيع غير العادل للموارد لقد خضنا حوارات عميقة مع قادة الإطار وغيرهم حول هذا المشروع وللأسف كما هو ديدنهم بدأوا في تبني الأفكار وطرحها بصيغ مشوهة وكأنها اجتهاداتهم ٢-مشروع المرجعية السياسية وهو مشروع يعيد الاعتبار للعلاقة بين المواطن والدولة بعيدًا عن دكتاتورية الفصائل أو استئثار الأحزاب المرجعية السياسية هنا تعني إحياء الدور الرقابي الشعبي وبناء مظلة شرعية جديدة للحياة السياسية والبرلمانية تقوم على الكفاءة لا الولاء الحزبي الضيق ٣-الحراك الشيعي المستقل مشروع وطني حقيقي يمهد الطريق لحياة سياسية قائمة على النزاهة والتمثيل العادل وهو اليوم في طور الإعداد لعقد مؤتمر كبير ٤-إطلاق وثيقة شرف سياسية أمام الرأي العام في محاولة لكسر احتكار القوى التقليدية للمشهد الشيعي لكننا لا نخدع أنفسنا الأزمة ليست فقط أزمة السياسيين الفاسدين النخبة أيضًا تتحمل وزرًا كبيرًا لأنها مشتتة عاجزة عن الالتقاء حول مشروع جامع حتى عندما يُعرض عليهم مشروع وطني حقيقي ينكمشون يترددون وكأن قدر العراق أن يبقى يدور في حلقات الانقسام والتشظي. نقولها بكل وضوح المشكلة ليست في الانتخابات وحدها وليست في من يحكم فقط المشكلة في غياب المشروع وفي عجز النخبة والمجتمع عن تبني رؤية واحدة تسعى لبناء دولة حقيقية. نعم القصة تبدأ بالمواطن وتنتهي إليه إذا كان المواطن ساخطًا ولا يرى بديلاً سوى الامتناع فهذا مفهوم لكن الأهم من الامتناع هو تقديم البديل ورصّ الصفوف وامتلاك الجرأة على خوض معركة البناء لا الاكتفاء بالنقد. هذه دعوة مفتوحة لكل من يهمه مستقبل هذا البلد دعونا ننتقل من سؤال “هل ننتخب أم نقاطع؟” إلى سؤال “ما هو المشروع الذي نستحق أن ننتخب من أجله؟ ومن هو الفريق الذي يستحق أن نقف خلفه؟” الانتخابات ليست نهاية القصة بل بدايتها لكن البداية لا تُكتب إلا عندما نصنع مشروعنا بأيدينا. |