نزار الحبيب الصراع الحالي في جنوب آسيا لا يمكن فهمه بمعزل عن التحولات العالمية الأوسع، حيث يتشابك الاقتصاد مع الأمن والسياسة في شبكة معقدة من المصالح المتضاربة. الهند وباكستان ليستا فقط جزءًا من هذا الصراع الإقليمي، بل هما أيضًا ساحتا تجاذب بين القوى العظمى. في هذا السياق، يُطرح تساؤل إضافي حول دور الطاقة والموارد في تأجيج التوترات. من الملاحظ أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) يمر بمناطق استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية، وهو ما يجعله أكثر من مجرد مشروع اقتصادي. فالأمر يرتبط بالسيطرة على طرق التجارة وموارد الطاقة التي تغذي الاقتصاد العالمي. الصين، من خلال هذا المشروع، تهدف إلى تأمين وصولها إلى بحر العرب عبر ميناء جوادر، مما يضمن تدفقاً آمناً ومستداماً للطاقة بعيداً عن المضايق البحرية التي تسيطر عليها القوى الغربية. هذا الهدف يجعل المشروع نقطة تصعيد طبيعية بين القوى الكبرى، ويضيف بُعداً جديداً للمواجهة بين الهند وباكستان. الهند، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة، تجد نفسها معزولة أمام هذه الديناميات. تصعيدها العسكري أو محاولتها تعطيل المشروع قد تكون بدافع استراتيجي لضمان عدم تحول باكستان إلى محور طاقة إقليمي بدعم صيني، مما سيؤدي إلى تغيير موازين القوى في المنطقة بشكل جذري. على الجانب الآخر، الصين تبدو مستعدة لمواجهة أي محاولات لعرقلة مشروعها عبر زيادة دعمها العسكري لباكستان، مما يعزز من احتمالية تصاعد النزاع ليشمل مجالات أخرى غير تقليدية، مثل الهجمات السيبرانية والحرب الاقتصادية. أما الغرب، فيبدو أنه يستغل هذا الوضع لتعزيز استراتيجياته الخاصة في السيطرة على طرق الطاقة وممراتها. فتح جبهة عسكرية أو توتير الأجواء في جنوب آسيا لا يخدم فقط الهدف المباشر المتمثل في تشتيت تركيز الصين، بل يفتح أيضًا المجال للغرب لإعادة تموضعه في سوق الطاقة العالمية وضمان استمرار اعتمادية الدول الآسيوية على نفوذه. في هذا الإطار، يبدو أن المنطقة تتحول تدريجياً إلى مركز جديد للصراع متعدد الأبعاد، حيث لا تقتصر الأهداف على السيطرة الإقليمية، بل تمتد لتشمل السيطرة على طرق التجارة العالمية، وتأمين الموارد الحيوية للطاقة. الهند، باندفاعها في هذه المواجهة، قد تجد نفسها في موقف صعب، ليس فقط أمام باكستان والصين، بل أيضًا أمام واقع عالمي متغير يفرض عليها إعادة النظر في تحالفاتها واستراتيجياتها الإقليمية والدولية. |